کد مطلب:167950 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:135

اشارة و تأمل
هذه أهمّ المتون التأریخیة التی روت لنا كیف أمسی مسلم بن عقیل ومامعه إلاّ قلیل ممّن كان معه عشرة فرسان علی روایة الفتوح، وثلاثون رجلاً ثمّ قلّوا إلی عشرة علی روایة المفید والطبری ثمّ كیف مضی وحده حتّی وقف علی باب المرأة الصالحة طوعة.

وقد أشارت روایة الفتوح إلی أنّ مسلماًعلیه السلام كان قد أُثخن بالجراحات، الامر الذی یدلُّ علی أنه علیه السلام خاض المعارك التی دارت حول القصر بنفسه، ولم یكن قائداً موجِّهاً مرشداً فحسب، وهذا فضلاً عن كونه دلیلاً علی شجاعته علیه السلام، فهو دلیل أیضاً علی نشوب القتال حول القصر، وعلی أنّ الثوّار كانوا قد حاولوا اقتحامه بالفعل!

لكنَّ الذی یُثیر التأمّل فی هذه المتون هو طریقتها فی عرض كیفیة تفرّق هؤلاء الرجال القلّة الذین كانوا آخر الناس ‍ معه! ففی نصّ الفتوح: (وتفرّق عنه العشرة، فلمّا رأی ذلك استوی علی فرسه ومضی..)، وفی نصّ المفید والطبری: (فما بلغ الابواب إلاّ معه منهم عشرة، ثمّ خرج من الباب فإذا لیس معه إنسان یدلّه، فالتفت فإذا هو لایُحسّ أحداً..).

هذه الطریقة فی عرض الحدث تُلقی فی روع المطالع أنّ هؤلاء لیس بینهم


وبین جموع الناس الذین انفضّوا بسرعة عن مسلم علیه السلام إلاّ فرق واحد وهو الفارق الزمنی فی الانفضاض عنه لیس إلاّ! بل تُشعر هذه الطریقة بأنّ هؤلاء القلّة أسواء بكثیر من أولئك الذین انفضّوا عنه بسرعة، وذلك لانّ هؤلاء تفرّقوا فی الختام عنه وهو أحوج ما یكون إلیهم، كما تفرّقوا عنه خفیة فی غفلة منه! هذا ما یُشعر به التعبیر (فالتفت فإذا هو لایحسُّ أحداً...).

وهذا مالایقبل به اللبیب المتدبّر، كما أنه لایوافق طبیعة الاشیاء وواقعها، إذ لنا أن نتسأل: ما الذی أبقی هؤلاء إلی الاخیر مع مسلم علیه السلام!؟ أهو الطمع؟ وبماذا یطمع هؤلاء مع قائد قد انفضّ عنه أنصاره وبقی وحیداً غریباً لایدری أین یذهب وإلی أین یأوی!؟

أم هو الخوف من عار الانصراف عنه بعد مبایعته، لاشجاعة منهم ولاثباتاً!؟

أفلایعنی هذا فی مثل هذا الحدّ الادنی أنّ هؤلاء ممن یرعی القیم والاخلاق، ویتجافی عن كلّ ما یعود علیه بالذّم!؟ وهل یُحتمل من مثل هؤلاء مع مثل هذا الحفاظ والاخلاقیّة أن یتفرّقوا فی بلدهم خفیة وفی لحظة غفلة من صاحبهم الوحید الغریب فی أرضهم!؟

أم أنّ الذی أبقی هؤلاء القلّة مع مسلم علیه السلام إلی آخر الامر هو الشجاعة والایمان والثبات علی البیعة؟ وأنّهم كانوا من صفوة المجاهدین فی حركة الثّوار تحت رایة مسلم علیه السلام، ومن صنادید أهل الكوفة؟

وهذا هو الحقّ! إذ لایشكُّ ذو درایة وتأمّل أنّ قادة الالویة الاربعة: مسلم بن عوسجة (رض) وأبا ثمامة الصائدی (رض) وعبداللّه بن عزیز الكندی (ره) وعباس بن جعدة الجدلی (ره)، وأمثالهم من مثل عبداللّه بن حازم البكری (ره) ونظرائه كانوا من القلّة التی بقیت مع مسلم علیه السلام إلی آخر الامر، ذلك لانّ


من الممتنع علی اخلاقیة أمثال ابن عوسجة (رض) والصائدی (رض) وإخوانهم أن یتخلّوا عن مسلم علیه السلام خصوصاً فی ساعة العسرة!

إنّ هؤلاء الصفوة من المجاهدین كانوا ممن اشتهر بالایمان والاخلاص والشجاعة والثبات، وقد وفّقوا للشهادة فی سبیل اللّه، فهذا مسلم بن عوسجة (رض)، وهذا أبو ثمامة الصائدی (رض) قد وفّقا للفوز بالشهادة بین یدی الامام الحسین علیه السلام فی كربلاء، وهذا العبّاس بن جعدة الجدلی (ره) قتله ابن زیاد بعد سجن، وهذا عبداللّه أو عبیداللّه بن عمرو بن عزیز الكندی (ره) قتله ابن زیاد بعد سجن، وهذا عبداللّه بن حازم البكری (ره) المنادی بكلمة السرّ: یامنصور أمت! ممّن شارك بثورة التوابین وقُتل فیها مما یوحی أنه اختفی أو سجن فی أعقاب أحداث الكوفة أیام مسلم علیه السلام، وقِسْ علی ذلك نظراءهم من صفوة المجاهدین فی حركة الثوّار تحت رایة مسلم بن عقیل علیه السلام.

أفهل یُعقلُ أن یتخلّی أمثال هؤلاء عن مسلم علیه السلام ساعة العسرة ویتفرّقوا عنه فی لحظة غفلة منه ویتركوه فی الطریق وحیداً غریباً!؟

لاشكّ أنّ التأریخ حینما نقل لنا حادثة تفرّقهم عن مسلم علیه السلام كان قد نقلها بظاهرها فقط، أی بطریقة (صورة بلاصوت) كما یعبّر عنها فی أیّامنا هذه! وذلك لانه لم یكن بمقدور التأریخ وهو یشاهد حركة الحدث من بُعد أن ینقل إلینا ما دار من حوار بین مسلم علیه السلام ومن بقی معه إلی آخر الامر!

إنّ التأریخ لایسجّل الهمس والسرار! وإنّ ما یطمئنّ إلیه المتتبع والمتأمّل هو أن مسلماًعلیه السلام اتّفق مع هذه الصفوة علی التفرّق فرادی والاختفاء تربّصاً بسنوح الفرصة للالتحاق بركب الامام الحسین علیه السلام القادم إلی العراق لمواصلة الجهاد بین یدیه، فلم یكن تفرّقهم عن مسلم علیه السلام إلاّ بأمره وإذنه وعن امتثال لامره! هذا ما یفرضه


التصوّر السلیم والتحلیل الصحیح علی أساس منطق الواقع وطبیعة الاشیاء.